أكاديمية القاسمي

مركز الدراسات الإسلامية والمخطوطات

مركز الدراسات الإسلامية والمخطوطات - باقة الغربية ، ص.ب124 ، تلفون 6286600- 04 ، فرعي 631 ، فاكس: 6280266- 04

 

قسم الدراسات

 

 

 

 المخطوطات العربيّة بين يدي التحقيق

 

كثيراً ما يتساءل الأدباء: هل التحقيق في مستوى التأليف؟
وهل يُنظر إليه من الناحية العلمية بمنظار التقدير والأهمية

الحق أن التحقيق جهد علمي مشكور، إذا قصد صاحبه خدمة العلم والإخلاص له. وقد يتطلب التحقيق وقتاً أطول من التأليف. كما أن خدمة الكتاب القديم، وإلباسه اللبوس العلمي الجديد أمر لا يقل بحال عن التأليف. وما زالت أنظار العلماء تتلفت نحو المحققين، وتوليهم الاحترام والتقدير الزائدين، ولا سيما ممن أخلص في عمله، وأصاب في نتاجه. أما من حيث المردود، فالتأليف الجيد يعادل التحقيق الجيد.

ولعل أثمن المخطوطات التي نحن بحاجة ماسة إلى إراءتها النور، ونحض على كشفها، تلك التي ألفها أصحابها عن تراجم الأعلام، والتعريف بالكتب، ودواوين الشعراء الذين فقدت مجموعاتهم، أو منتخبات شعرية لأعصر قل فيها التراث المبذول بين الأيدي.

وفي الحق فإن ما وصل إلينا كان تراثاً ضخماً –وما ضاع كان أضخم- ولا سيما حين تتهيأ الظروف المناسبة لطبع المخطوطات كلها، أو الثمين منها على الأقل. وتتجه أنظار القطر العربي السوري اليوم إلى إحياء تراثنا العلمي بطبع المخطوطات في تاريخ الطب، والهندسة، والبيطرة، والزراعة... وعلى هذا يدأب معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب، لأنها تؤكد على مكانة العرب العلمية في مرحلة ترأسوا فيها عملية الإبداع في العلوم.

ونقف أمام من يشتغلون بالمخطوطات وقفة إجلال وتقدير، لأنهم وقفوا أحلى ساعات حياتهم على العيش في رِداهِ المكتبات وبين أروقتها ينبشون كنوز العرب، ويقدمونها للأجيال تنهل منها ما طاب لها، وكأنهم جنود صامتون صامدون، متربصون خلف متاريسهم وداخل خنادقهم.

والعمل بالمخطوطات فن من فنون الأدب الحديثة، مما لم يكن معروفاً قبلاً.

وقد اتجهت الأنظار إليه منذ وجدت المطبعة، ومنذ أخذ المستشرقون بطبع تراثنا العربي... فلهم الفضل في السبق، وعلينا واجب المتابعة والنبش والإحياء.

ولما كان الحديث عن هذا الموضوع جديداً، ولما كان فناً حديثاً فقد وجبت الإشارة إلى بعض النقاط المهمة، التي من شأنها أن تعين القارئ على الانخراط في هذا الميدان، أو تقدير المشتغلين حق قدرهم. وككل فن، لم يكن له حتى اليوم قواعد مرسومة، ولا شروط مقننة معلومة. لأن المشتغل بالمخطوط يفترض أن يكون في مستوى علمي راق، وتجربة في حقل التأليف مشكورة. ومع ذلك فقد أخذت بعض الدراسات تشرئب أعناقها، وتثبت جدراتها أمثال دراسة جدية للدكتور عبد السلام هارون، ودراسة مثيلتها للدكتور صلاح الدين المنجد من البلاد العربية. ولكن هاتين الدراستين موجزتان جداً، على أهميتهما، ولا يتعدى ما فيهما نتائج تجاربهما الشخصية العميقة.

وإن الذي جرى عليه المستشرقون قبلنا، وكبار المحققين من العرب ومن المسلمين يكاد يتشابه في أفضل النقاط وأهم الركائز. وهذا يثبت أن المشتغلين في هذا المضمار بلغوا مرحلة من النضج الفكري، تجعلهم يتشابهون مع غيرهم من أندادهم المستشرقين.

حتى الطلاب الذين تعتمد رسائلهم الجامعية العليا على دراسة مخطوطة معينة، يخرجون بها إلى النور، وكأنها جارية على القوانين المنهجية المتبعة، لأن أساتذتهم، الذين استقوا من منابع متشابهة –مشرقية أو مستشرقية- دربوهم، وأمسكوا بأقلامهم وأيديهم، وهدوهم سواء السبيل.

المشرفون على المخطوطات:

يعد الموظف المشرف على المخطوطات صلة الوصل بين الخزائن والمحقق.

ولهذا يفترض به أن يكون على بينة تامة من عمله، وأن يتحلى بصفات تؤهله لأداء رسالته خير أداء. من ذلك:

1-  أن يكون ذا إطلاع كبير على أمات الكتب والمراجع والمعاجم.

2-  أن يجري دورة علمية كاملة، تؤهله لشرف الحفاظ على كنز أمته، كأن يتقن أمور التصنيف والتبويب، وأن يلم بأمور التحميض والتصوير والتظهير، وأن يجيد عملية ترميم المخطوطات وطرق المحافظة عليها.

3-  أن يلم بإحدى اللغات الأجنبية على الأغلب. ويفضل أن يتعلم الفارسية إن كان عربياً، وأن يتعلم العربية إن كان فارسياً، وأن يتعلما –العربي والفارسي على السواء- التركية. لأن كثيراً من المخطوطات العربية تتضمن كتباً من الفارسية ومن التركية، ولأن كثيراً من المخطوطات الفارسية تغزر فيها اللغة العربية، وأحياناً التركية. ولا تكاد تخلو خزانة من الخزانات العربية من بعض الكتب أو الدواوين أو الكناشات الفارسية أو التركية. وأمر معرفة الفارسية ضروري كذلك للباحث المحقق ولطالب الدراسات العليا الذي يتابع بحوثه عن طريق المخطوطات.

4-  أن يتصف بالصبر، والدقة، والأمانة، والتعشق للعمل الذي أوكل إليه.

عمل المحقق:

كان على الأديب قديماً أن يتعرف إلى نوعية الورق، وحرفة الوراقة، ومستوى الناسخين وصناعة المداد والقلم، ومثل هذه المعلومات يمكن الإطلاع عليها في كتب الموسوعات التي ألفت في عصر المماليك، مثل كتاب "صبح الأعشى" للقلقشندي، و "نهاية الأرب" للنويري.

أما اليوم فعلى المحقق أن يلم بالعدسات والقارئات، وبأنواع الآلات الطابعة، وأي نوع منها يؤدي المهمة في إخراج الكتاب، ونوعية الورق الذي يتقبل الحبر، ويريح النظر. وأي جسم من الحروف يمكن أن يرصف به الكتاب، وما هي أرقام الحروف المساعدة. كما عليه أن يعرف مَنْ مِنَ الناشرين يسخو على الكتاب المحقق، ومن منهم يغار على الكتاب وعلى إخراجه. كما عليه أن يلم بالمكتبات التي سيراسلها للحصول على النسخ التي يحتاج إليها، وأن يتأكد من تكرار النسخ، وإقصاء المكرر منها، وجمع كل النسخ إذا أراد لعمله الكمال، ما لم تكن المخطوطة فريدة في العالم.

وقبل أن يراسل المكتبات عليه أن يتأكد من الفهارس الموثوقة من العنوان الأصلي الذي يريده، والرقم الذي ينضوي هذا العنوان تحته. فقد تتشابه العناوين أحياناً، كما قد تختلف ويكون المضمون واحداً. فقد عثرت على نسختين من كتاب "دمية القصر" للباخرزي؛ الواحدة في تركية بمكتبة بايزيد، وقد كتبت بعد 220 سنة من وفاة المؤلف، والثانية في النمسة وقد كتبت سنة 2154 هجرية، كتب على كعب النسختين "تاج الكتاب في طبقات الشعراء العرب"، وهما في الأصل نسختان من دمية القصر، شاء الناسخ تغيير العنوان.

وقد يعثر المحقق على مخطوطة بلا عنوان، فيستطيع الاستدلال عليه من ترجمة المؤلف. كما قد يحدث العكس معه؛ بأن يفقد اسم المؤلف، فيستطيع حينئذ الاستدلال عليه من اسم الكتاب وموضوعه. وذلك بالرجوع إلى الكتب التي ترجمت للمؤلف، أو للكتب التي تُعنى بأسماء الكتب، مثل: كشف الظنون، وإيضاح المكنون، وأسماء الكتب. والكتاب الأخير هو من الكتب النادرة في معرفة الكتب القديمة ومؤلفه هو "رياضي زاده" أستاذ حاجي خليفة.

يعاد طبعه الآن بدمشق، بعد أن طبع في القاهرة والكويت.

وعلى المحقق كذلك أن يتثبت من اسم المؤلف كاملاً، فيذكره في مقدمة دراسته، مع ذكر الكتب التي تعرضت لترجمته، والإشارة إلى الصفحات والأجزاء إن أمكن، ليسهل على الباحثين الرجوع إليها إذا أرادوا التوسع في هذا المضمار.

وأن يضع مقدمة يعرِّف بها الكتاب، والمؤلف، والعصر، وميزاته. ويفضل أن يكتب عقب الانتهاء من تحقيق المتن وطبعه، ولا مانع عندئذ من أن تكتب المقدمة في خاتمة الكتاب... وهي طريقة حديثة قلما اتبعت قبلاً.

وبالطبع فإن معرفة أنواع الخطوط، وتاريخ كل خط، والأمصار التي انفردت بأنواع معينة من الخطوط. ليتسنى له كشف المخطوطة التي بين يديه. فمثلاً كانت الكتابة في القرون الهجرية الثلاثة الأولى (كوفية)، ثم أخذت في التطور والتغير. أما الخط الحديث الذي ينسب اختراعه إلى ابن مقلة، فليس في الواقع من ابتداعه. ولكن له الفضل في ترسيخ دعائمه، ووضع قوانينه وإشاعته. ثم هناك (الخط الفارسي)، وهو خال من التعقيدات والدوائر الخطية (الديوانية).

وهو الذي كانت تكتب به الكتب الفارسية في العصر العباسي، ثم كتبت به كتب عربية كثيرة، وهو الخط الذي انتشر في المؤلفات العثمانية فيما بعد.

وكذلك نجد (الخط الإفريقي)، الذي هو بين خط المشارقة وخط الأندلسيين.

ويمتاز (القلم الأندلسي) بأنه ميال إلى الاقتباس من أشكال الألفباء اللاتينية في الأندلس التي كانت تكتب به في تلك الأيام، مع كثير من الاستدارات وتداخل الكلمات، وتغيير كبير في كيفية التنقيط، كوضع نقطة الفاء من تحت ونقطة القاف من فوق.

والمهم في الأمر أن الأندلسيين اختلفوا عن المشارقة في ترتيب ألفبائهم، وهذا ما دعاهم إلى ترتيب معاجمهم بأشكال مخالفة لما يفعله المشارقة. ويلاحظ أنهم نظموها بشكل متناسق، حيث رصفوا الحروف المتشابهة الرسم تلو بعضها بعضاً. والألفباء الأندلسية هي:

أ.ب. ت. ث. ج. ح. خ. د. ذ. ر. ز. ط. ظ. ك. ل. م. ن. ص. ض. ع. غ. ف. ق. س. ش. هـ. و. لا. ي.

يسوقنا هذا الحديث للإشارة إلى (الألفباء الفارسية). فقد سار الفرس في ترتيب ألفبائهم بعد دخول لغة القرآن إلى بلادهم على نهج المشارقة. ولكنهم حين أرادوا ترتيب أحرفهم الفارسية الأربعة التي انفردوا بها وهي: ب ج ز ك رتبوا كل حرف عقب مثيله، بحيث وضعوا الباء بثلاث نقاط بعد الباء العربية، وبعد الجيم العربية وضعوا الجيم الفارسية، ومثلهما الزاي والكاف الفارسيتان. غير أنهم وضعوا الواو بين الهاء والياء، لتكون الهاء فاصلاً بين ما آخره واو وما آخره ياء. وعلى هذا سار مؤلفو المعاجم العربية الذين أصلهم فارسي كالزمخشري في أساس البلاغة، والفيروز آبادي في القاموس المحيط، وكذلك فعل كل مؤلف فارسي في معجمه الفارسي.

وعلى المحقق أن يكون مطلعاً، ومضطلعاً، على: العروض، المعاجم، النحو، كتب التراجم، البلاغة.

نسخ المخطوطة:

وليس كل النسخ متساوية من الناحية العلمية، ولا من جهة القيمة الأثرية.

فهناك النسخة الرئيسة والتي هي النسخة الأم التي هي بخط المؤلف، ثم النسخة بإجازة، ثم النسخة المنقولة عن الأم بإجازة، ثم النسخة من غير إجازة.

وهناك فروع هي التابعة للنسخ السابقة زمنياً، أو التي فقدت الرابط.

كما أن النسخة المطبوعة مهمة إن وجدت، لأنها قد تتمم النسخة المعتمدة، ولا سيما إذا فُقد أصل المطبوع، أو أن المحقق الأول لم يعتمد على نسخ عثر عليها المحقق الجديد، ولأن فيها آراء المحقق الأول الذي عانى حتى كشف العديد من النقط الغامضة، ومن الواجب العلمي عندئذ أن يبين فضل السابق وتجديد اللاحق. وقد حصل مثل هذا كثيراً، كان المستشرقون غالباً أصحاب الفضل الأول، كالمستشرق الألماني "رودولف جاير" الذي أخذ عنه الدكتور محمد حسين طبعة ديوان الأعشى، والمستشرق البريطاني "ليال" الذي أخذ عنه النجار طبعة ديوان عبيد.

وإذا كانت النسخة غير معروفة التاريخ، يستطيع المحقق التوصل إلى معرفة القرن الذي نسخت فيه بنوعية الخط، أو باسم الناسخ، أو بجنس النقس (الحبر) والورق. ويجدر الانتباه هنا إلى أن النسخة الواحدة تكون مكتوبة أحياناً في زمانين متفاوتين، بحيث يضيع جزؤها، فيكمله ناسخ آخر في قرن آخر.. ويعرف هذا أيضاً من نوع الخط والنقس.

ويجب أن نعرف هل الناسخ من النوع المخلص الدقيق، أو أنه جاهل ماسخ، حسبه أن يملأ الصفحات ليكسب أجر عمله. وهل الراوية أديب مخلص نقل بأمانة، أو أنه أضاف من عنده بعض الإضافات من غير إشارة؟

وقد يضيف المؤلف إضافات يلحقها بكتابه، فإذا ما ذكر أنها ذيل أبقاها المحقق على حالها. أما إذا أشار إلى أنه كان يريد إلحاق هذه الزيادات في مكانها، ولم تسعفه الظروف، كان على المحقق أن يلبي رغبة المؤلف، على أن يذكر ما فعله في مكانه. وهذا ما كان على محقق يتيمة الدهر أن يفعله، وهذا ما قمنا به فعلاً. فقد أضفنا "تتمة اليتيمة" في أماكنها التي أشار الثعالبي إليها.

ومن الملاحظات الجديدة على النسخ، أن نسخة المؤلف التي عثر عليها قد تكون مسودة، فعلى المحقق أن يبحث عن المبيَّضة. فقد يكتب المؤلف كتابه، ثم يعيد النظر فيه، ويضيف عليه ما يراه مناسباً ثم يبيض، ويترك نسختين متداولتين.

كما أن هناك نسخة منسوخة ونسخة ناسخة؛ فقد يؤلف أحدهم كتاباً ثم يعود إلى كتابته من جديد في بلد آخر وظروف أخرى. وعلى هذا فقد يكون هناك اكثر من مبيضة، وحتماً بعضها يفضل الأخرى بالدقة.

أما الدواوين، فقلما نجد الشاعر نفسه يدون ديوانه بخط يده. وإذا حصل مثل هذا فإن النسخة –إن عثرنا عليها- ستكون أماً، وتعد من روائع المخطوطات. وقد ينسخ الديوان عن الشاعر نفسه، أو يُقرأ عليه بعد نسخه. وكثيراً ما نقع على أكثر من نسخة للديوان الواحد؛ بعضها لرواته ومحبيه، وبعضها لحساده ومبغضيه.

وعلى المحقق أن يرجع إليها إن أمكن، وعليه أن يأخذ بالحسبان: الراوية إذا كان شاعراً، فقد يضيف من عنده بيتاً، أو يغير كلمات. ويقوم جميع البشر عادة محباً أو معادياً. والمتنبي من أكثر الشعراء الذين جمع شعرهم من محبين ومبغضين ومعتدلين. وأفضل الدواوين ما كان مجازاً بخط الشاعر.

نقص النسخ:

كثيراً ما تصاب الكتابة بتحريفات، كسقوط نقاط أو إضافة غيرها، والتصاق نقاط بعضها ببعض، والتشابه بين الفاء والغين، وبين الدال واللام، وبين الراء والنون. كما قد تزاد أسنان في الكلمة، ويسقط بعضها. وقد يقفز الناسخ سطراً أو مقطعاً سهواً أو عمداً، فيتلافاها المحقق من نسخة أخرى، أو من كتب مطبوعة، شريطة أن يذكر ذلك في الحاشية.

وقد يصيب التآكل بعض الورق، وأذكر أنني زرت مكتبة جامعة "أوكلا" بالهند، فهالني إن وجدت الأرضة لم تترك سطراً إلاّ أعملت فيها خراطيمها.

وكأنها كانت تتعمد قضم السواد من السطور. وكم آلمني هذا المنظر عندما وجدت من بينها مجموعة نادرة من الكتب العربية والفارسية التي لم ترَ النور، ولن تراه. والجهل برعاية المخطوطات هو الذي يصل بالنسخ إلى مثل هذه المرحلة المتردية.

*تحقيق المتن:

بعد مراعاة كل ما سبق، بإمكان المحقق أن يضع المتن بين يديه ويشرع في تحقيقه. وأهم ما يقوم به:

1-  الاعتماد على أقدم النسخ أو على أفضلها خطاً وكمالاً. ثم يقارنها بباقي النسخ التي حصل عليها.

2-  الاختصار ما أمكن، سواء أكان ذلك في المقابلات أم في الشروح، كيلا تتضخم الصفحات كما يفعل بعضهم.

3-  وضع رموز معينة لكل نسخة أو لكل اصطلاح، كما ترى في الأشكال والرواسم.

4-  ضبط الأعلام وأسماء الأماكن.

5-  نقل المشكول من المؤلف نفسه بعد التأكد من صحته، أو شكل الصعب من الكلام بالاعتماد على أفضل المعاجم القديمة، مع الإشارة إليها.

6-  الأمانة التامة في النقل، بما في ذلك الهوامش والتعليقات، ولا يسمح للمحقق بأن يغير شيئاً. وعليه التعليق في الحاشية كما يشتهي. أذكر هذا لأن أحد المحققين في دمشق، أذهلني عندما أعلمني أنه غيّر مجموعة من ألفاظ ديوان شاعر لأنه لم ينسجم معها!!



7-  عدم الاعتماد على نسخة واحدة إذا كان في المكتبات أكثر من نسخة، وإن كانت واضحة. فالمقارنة بين النسخ تكشف ما لم يكن متوقعاً.

8-  القراءة الكاملة للنسخة، لمعرفة الموضوع والفصول والأبواب، وخصائص الناسخ في الكتابة.

9-  عنونة الأبواب والفصول بحسب الأصول المتبعة اليوم في التأليف، مع ضرورة الإشارة إلى ذلك.

10-  الاعتماد على المراجع المناسبة للموضوع. فالنسخة الأدبية يلزمها كتب أدب، واللغوية تحتاج إلى مصادر لغوية… بالإضافة إلى كتب المؤلف نفسه، والكتب التي عالجت مثل هذا الموضوع.

11-  مراجعة معاجم الألفاظ، ومعاجم المعاني، ثم المعاجم الفارسية، والمعربات.

12-  مراعاة التصحيف، والتحريف، والمؤتلف، والمختلف.

13-  مراعاة الزيادة من نسخة إلى أخرى، ومراعاة زيادة النساخ أو إنقاصهم.

14-  وضع علامات الترقيم المناسبة، وإن لم يستعملها المؤلف.

15-  الإشراف الكامل على الكتاب في أثناء طباعته، شريطة أن يقرأ ندٌّ للمحقق القراءة الأخيرة قبل الطبع، فقد يصل المحقق إلى مرحلة من حفظ التعابير والتراكيب يقرؤها من ذاكرته، فلا يرى الخطأ المطبعي، فيؤذي طلبة العلم، ويتأذى من الساخطين. وهذا ما تجري عليه الجامعة العثمانية من حيدر آباد، إذ لا يصحح المحقق تجارب كتابه، بل يصحح تجارب كتاب آخر.

***

الحواشي والتعليقات:

ذكرت في مطلع بحثي أن على المحقق تسجيل اختلافات النسخ، مع رموز الإضافات والنسخ في الحواشي. ولكنني لم أذكر الجهد الكبير الذي يعانيه المحقق حتى يفهم النص. ومن المفيد جداً أن يسجل المحقق ما يراه مناسباً لتوضيح الغامض، أو التعريف بعلم اعترضه، أو مكان ذكره المؤلف، أو الإشارة إلى صاحب بيت أو قول أغفل عنه المؤلف، أو إلى موضع آية كريمة، أو حديث شريف.

ويستحسن أن يقسم المحقق –عندئذ- حواشيه إلى طبقتين؛ يضع أرقام الطبقة الأولى بالأرقام الأجنبية (اصطلاحاً)، ويخصصها لاختلاف النسخ.

ويخص الطبقة الثانية بالأرقام العربية، ويسجل فيها شروحه المناسبة والتعليقات الموضحة. وسبب هذا الفصل أن الباحث عند اختلافات النسخ غالباً ما يكون من الأدباء أو الضليعين. ولا يشترط ذلك في الباحث عن المعاني والتعليقات.

المراجع الرئيسة:
مما لا شك فيه أن هناك مراجع لا يمكن الاستغناء عنها في أي تحقيق لمتن مهما كان نوعه. ومن هذه المراجع: المصحف المفهرس- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث –كشف الظنون- إيضاح المكنون- أسماء الكتب- هدية العارفين- معجم سركيس- معجم المؤلفين- الأعلام- وفيات الأعيان وملحقاته- كتب الطبقات والسيرة- كتب التراجم- معجم القبائل- مجمع الرجال- بروكلمان- سيزكين- دوائر المعارف- الموسوعات.

الفهارس:
وفي ختام عمل المحقق العلمي يشترط به أن ينهي مخطوطته بفهارس علمية مفصلة. والفهارس أكبر عمل يقوم به المحقق أو تلميذه بعد تحقيق المتن وطبعه.

ولا يجوز إنجاز الفهارس قبل الانتهاء من طباعة الكتاب. ووجود الفهارس المفصلة يساعد طلبة العلم في بحوثهم كثيراً. ومع أن لكل كتاب فهارس خاصة، فهناك الفهارس العامة التي لا يمكن إغفالها. من ذلك:

فهارس للأعلام- فهارس للأماكن- فهارس للقبائل- فهارس للآيات- فهارس للأحاديث- فهارس للأمثال- فهارس للأشعار بحسب القوافي أو بحسب الأبحر- فهارس للألفاظ المعربة- فهارس للموضوعات.

د. محمد ألتونجي

 

 
    المصدر : موقع شبكة سحاب